المرجع الخالصي يدعو لتوحيد الأمة ويشدد على دعم القضية الفلسطينية ويطالب بحسم قضايا الفساد ومحاسبة من قمع المتظاهرين في العراق
ألقى المرجع الديني الشيخ جواد الخالصي (دام ظله) خطبة الجمعة في مدينة الكاظمية المقدسة، بتاريخ 3 ربيع الأول 1446هـ الموافق 6 أيلول 2024م. تناول فيها العديد من المواضيع العقدية، الفقهية، والسياسية التي تمس واقع الأمة الإسلامية في الوقت الحاضر.
الخطبة الأولى: استقبال شهر ربيع الأول وواجبات الأمة
في بداية الخطبة، تحدث الشيخ الخالصي عن استقبال شهر ربيع الأول، شهر ولادة النبي محمد (صلى الله عليه وآله). وأكد على أهمية التزام الأمة بالاقتداء بالنبي (صلى الله عليه وآله)، الذي هو الأسوة الحسنة كما جاء في قوله تعالى: "لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا" (الأحزاب: 21).
وتناول الشيخ تساؤلاً محورياً حول كيفية نجاح النبي الأمي في جمع العرب، ومن ثم البشر، تحت راية واحدة، موضحاً أن العبرة تكمن في اتباع نهج النبي بشكل عملي وليس الاكتفاء بادعاء الانتماء له. وأكد على أن الدعوة تبدأ بالعلم والحكمة والموعظة الحسنة، وبالتعامل مع الناس بالخلق القويم على منهاج النبوة، كما قال الله تعالى: "وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ" (القلم: 4).
الدعوة للوحدة الإسلامية
شدد الشيخ على أهمية توحيد كلمة الأمة حول التوحيد، "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"، باعتبارها القاسم المشترك الذي يجب أن يجمع الأمة. ورفض الشيخ الادعاءات التي تقول إن هذه الكلمة وحدها لا تكفي، مؤكداً أن الجاهلي الذي كان يعبد الأصنام وكان ينطق بهذه الكلمة يُقبل في أمة الإسلام ويُعطى حقوقه، ويُعلّم ويوجّه لتصحيح أخطائه بالحكمة والموعظة، خلافاً لما يفعله المتطرفون الذين يستخدمونها كذريعة للتفريق والقتل.
أكد الشيخ أن الوحدة الإسلامية ليست ترفاً بل ضرورة أساسية لنهضة الأمة، وأوضح أن مدرسة الإمام الخالصي تتبنى هذا المبدأ وتعمل على الإجابة عن التساؤلات المتعلقة بنهضة الإسلام والمسلمين كأمة. وأشار إلى أن الوحدة ليست فقط ممكنة، بل واجبة على كل من يخلص لله ويريد نصرة الأمة.
كما أكد الشيخ أن الخلافات الفقهية والعقدية لا ينبغي أن تعيق تحقيق الوحدة الضرورية. بين أن بعض المسلمين الشيعة يتساءلون عن كيفية الاتحاد مع من لا يؤمنون بالإمامة أو عصمة الأئمة أو بحديث الثقلين، بينما يتساءل البعض من أهل السنة عن كيفية التفاهم مع الشيعة الذين يؤمنون بالعصمة ويزعمون بتحريف القرآن. وأوضح أن بعض هذه الادعاءات مثل زعم تحريف القرآن أو سب الصحابة هي كذب وافتراء، حيث لا يقوم الخيرون من الناس بسب الصحابة. ومن الغريب أن يتم اتهام عالم جليل بالكذب أو التورية لأنه ينكر سب الصحابة.
وأكد الشيخ أن مسألة الوحدة هي أمر جوهري وضروري، ويجب أن يعمل الجميع على تحقيقها، لأنها ليست أمراً ثانوياً بل من أهم الواجبات بعد عبادة الله. في الحقيقة، الوحدة هي العبادة الحقيقية؛ لأن من لا يسعى لتوحيد الأمة لا يمكن أن يكون مخلصاً لله في عمله أو عبادته.
الخطبة الثانية: الفساد والقضايا السياسية في العراق
في الخطبة الثانية، تناول الشيخ الخالصي ثلاث قضايا محورية في العراق:
الفساد وقصور الجهاز القضائي
اكد سماحة الشيخ على ان الفساد في العراق منتشر بشكل كبير ولم يتم حسم القضايا المتعلقة به، مما يدل على ضعف الدولة والجهاز القضائي. والقضاء عاجز عن ملاحقة الفاسدين، رغم أن هناك حديثًا عن تورط بعض المسؤولين الكبار في "صفقة فساد القرن". إذا أرادت الدولة التعامل بجدية، فعليها متابعة هذه القضايا، وكشف المسؤولين الفاسدين واتخاذ الإجراءات اللازمة ضدهم.
قمع المتظاهرين ووجوب استجابة الحكومة
ادان سماحة الشيخ تعامل قوات الشغب مع المتظاهرين المطالبين بالتعيينات، مشيراً إلى أن استخدام القوة ضدهم هو تصرف استفزازي. مطالباً الشيخ بمحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات وإقالتهم فوراً. مؤكداً ان الدولة مسؤولة عن توفير فرص العمل لشبابها، ولو تم حفظ جزء من الأموال المسروقة لتم خلق فرص عمل حقيقية.
التنازلات أمام المطالب الطائفية والتقسيمية
حذّر الشيخ من خطورة التنازلات أمام المطالب التي تسعى لتقسيم البلاد على أسس طائفية أو قومية، مشدداً على ضرورة أن تعامل الدولة جميع المواطنين بشكل متساوٍ، دون تمييز على أساس العرق أو الدين. وأكد أن الاستجابة لهذه المطالب تهدد وحدة البلاد، وأن تأخير الرواتب في بعض المناطق يعد إهانة للموظفين المخلصين. كما شدد على ضرورة أن تكون الكفاءة هي المعيار الوحيد لتولي المناصب، وليس الانتماءات أو العلاقات الشخصية. ودعا الحكومة إلى حسم هذه القضايا بوضوح، وإذا كانت عاجزة عن ذلك، فعليها أن تصارح الشعب.
وأخيرًا، مجلس النواب بحاجة إلى قوى فعالة تدعم مشروع الإصلاح وتواجه التحديات. كما نشيد بجهود البناء والمشاريع الجارية، إلا أن الرقابة والمحاسبة يجب أن تكون صارمة لتجنب الفساد واستغلال مؤسسات الدولة.
الدعوة لدعم القضية الفلسطينية
في ختام حديثه، شدد الشيخ الخالصي على أهمية دعم القضية الفلسطينية، مؤكداً أن هذه القضية ليست قضية الشعب الفلسطيني وحده بل هي قضية الاحرار والانسانية في العالم، فلا يجب أن تُنسى وسط التحديات الأخرى. وأشار إلى أن دولاً مثل لبنان، العراق، وإيران تشارك في هذه المعركة، ودعا تركيا ومصر إلى الانضمام بجهود كبيرة لدعم فلسطين. كما شدد على أن السعودية ودول الخليج يجب أن تساهم بفاعلية في هذه القضية، التي هي قضية كل المسلمين.
وأضاف الشيخ الخالصي أن الخطر لا يتوقف عند فلسطين فقط؛ فلو تمكن الاحتلال من السيطرة على غزة والضفة الغربية، فسيتوسع إلى مناطق أخرى مثل لبنان، ومن هناك سينتقل إلى دول أخرى. وفي هذه الحالة، لن يبقى لا كراسي ولا عروش ولا إمكانيات إذا استمر التخاذل. لذلك، دعا الشيخ جميع المسلمين للعمل بجدية لنصرة فلسطين، ودعم الأبطال المجاهدين هناك، بالإضافة إلى دعم من يقف إلى جانبهم في لبنان، اليمن، وفي كل بلاد المسلمين.