قالوا في الإمام الخالصي الكبير..
جعفر الجبوري
لم يحدث ان اتفق الكتاب والشعراء والمفكرون على رثاء شخص كاتفاقهم على رثاء الفقيد الراحل الشيخ محمد مهدي الخالصي الكبير رحمه الله، فقد رثاه الشعراء على اختلاف طبقاتهم واتجاهاتهم، كما كتب فيه جملة من الفضلاء والادباء وهذا ما نحاول اليوم ان سلط الضوء على بعضٍ منها:
حيث قال الاديب الشيخ محمد جعفر الشبيبي في كلمة أبّن بها الفقد الراحل أعلى الله مقامه:
"إن سرّ عظمة الفقيد منبعثٌ عن أمور ما جملتها: ما فُطرَ عليه من شدة التوجع والتحرق والتألم المستمر على مصير هذه الامة فقد كان دائم التفكير في أسباب ضعف المسلمين عامة والعرب خاصة والعراقيين على الأخص، كثير الاهتمام بإصلاح شؤون الامة وإنهاضها من كبوتها ورفع مستواها بين الأمم الحية، فقد كان مثالا حيًا للتضحية والجهاد المتواصلين في هذا الباب.
كذلك من اسرار عظمته وتفوقه على الاقران مناهضته جمود الجامدين وخمود الخامدين في هذه البلاد، فقد كان مخالفا لهم في دعوته الى اصلاح التعليم ومزج الحديث بالقديم.
وقد أدرك عقم الطريقة المعوّل عليها في المدارس القديمة وأدرك عجزها عن القيام بتثقيف ناشئة المسلمين فوافق على إدخال طرق الإصلاح الجديدة على المدارس القديمة وكان على عادته في هذا الباب قدوة صالحة لغيره بالمبادرة الى فتح مدرسة كبرى في مشهد الكاظمين اختار لها منهجا عاليا جامعا بين القديم والحديث وجعل المعيشة والتعليم فيها مجانيّا، إذ كان ينفق عليها من ماله الخاص. فتقاطر عليها الطلاب من انحاء العراق ولو لم يُكره رحمه الله الى مغادرة العراق لكان لهذه المدرسة شأن وأيُّ شأنٍ في نهضة البلاد من الوجهة الاجتماعية والعلمية.
هذه في نظري كانت من أسباب عظمته وشهرته واجماع القلوب على محبته وفي ذلك عبرة كافية لأهل هذا العصر ودليلٌ قاطعٌ على أن الامة بعد هذا اليوم لا تلتفُّ الاّ حول الزعماء العاملين والمجاهدين المخلصين والاحرار المجتهدين."
كما أبّن الشاعر الاديب محمد مهدي البصير فقيدنا الراحل بكلمة قال فيها:
"كان الخالصي (رحمه الله) عضدا قويا للإمام الشيرازي في حركاته وأعماله وقد استمر يعضد الحركة الوطنية بغير كلل ولا ملل الى أن جاءت حادثة (12 آب) التي فرقت بها الحكومة شمل قادة الحركة ومزقتهم أي ممزق وأرسلت بهم الى جزيرة هِنجام الشهيرة، عند ذلك اختفى مولانا الخالصي ولم تعتدل السياسة ولو نسبيا على أثر تقلّد السير برسي كوكس زمام منصب المندوب السامي في العراق حتى ظهر الخالصيُّ وبدأ حياته السياسية من جديد، وتوفي الامام المرحوم شيخ الشريعة الاصفهاني. أثناء ذلك فتحت للفقيد زعامة الدين في الطائفة الامامية ورئاسة الحركة الوطنية في كافة أنحاء القطر وأرجائه، وقد كان مدة عام ويزيد بطل المعارضة الوطنية في تقرير مصير العراق بشكله الذي تعيّنه وتحدّده نصوص المعاهدة العراقية البريطانية، وفي موقفه إزاء انتخاب المجلس التأسيسي ما لا يُنكر من صلابة الرأي وصدق الإرادة وشدة الإصرار على تنفيذ خطة مرسومة. اذًا فقد رأينا إمامنا الخالصي مجاهدًا أمينًا ومدافعًا صادقًا مدةً تناهز الثمانيةَ عشر عامًا."
وقال الكاتب الجريء خلف شوقي أمين في مقالة كتبها عن الفقيد الراحل:
"يجدر بأبناء الرافدين ان يلقبوا الشيخ الخالصي بشيخ النهضة الوطنية أو بأبي الاحرار فان الولاء والإكبار أفضل ما تكافئ به الأمم رجالها وأثمن ما تقدمه الشعوب لزعمائها على أعمالهم الجليلة وخدماتهم الصادقة.
فليندب العراقيون سوء حظٍ أبى إلاّ أن يُفجعهم بشيخ نهضتهم الوطنية وزعيم حركتهم الاستقلالية وليذرفوا الدموع أسىً وأسفًا لفقدِ ذلك العميد الذي عاهد الله والرسول والضمير والتاريخ على ان يخدمهم تلك الخدمة الصادقة ولم يكن يريد لقاء هذه الخدمة جزاءً ولا شكورًا، إنما كان يقدمها لأبناء وطنه سعيا الى مرضات ربه وحرصًا على تلبية نداء دينه وضميره الحر ووجدانه المقدس الطاهر، ففي ذمة الله وذمة التاريخ ما تحملت أيها الفقيد الجليل من عناء ومشقة وما تكبّدت من مصائب تغّلب عليها صبرُك فعلا بها ذكرك."
وهنالك الكثير الكثير من قبيل هذا الكلام الذي لا يسع المقام لذكرها فضلا عن القصائد الشعرية التي نحتاج لوقت كبير لذكرها."
في الختام أقول: ما أحوجنا اليوم إلى قائد كالخالصي الكبير يتسامى عن الصغائر ويترفّعُ عن الأطماع ويعملُ لأجل الدينِ والوطن، ويتفانى في جمع الكلمة وتوحيد الصفوف بنزاهةٍ ونكرانِ ذاتٍ قلَّ نظيرهما.
فسلامٌ عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيًا..
"رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ."