المرجع الخالصي: كربلاء حاضرة في فلسطين، وغزة تدافع عن الإنسانية جمعاء
الكاظمية المقدسة – المكتب الإعلامي
أكّد المرجع الديني الشيخ جواد الخالصي في خطبتي الجمعة التي ألقاها في مدينة الكاظمية المقدسة، بتاريخ 7 صفر 1447هـ الموافق لـ 1 آب 2025م، أنّ ذكرى عاشوراء ما زالت حاضرة في وجدان الأمة، وتتجلى في مقاومة الشعوب للهيمنة الشيطانية في فلسطين ولبنان وسائر أماكن الصراع بين قوى الحق والاستكبار العالمي، مشيراً إلى أنّ هذه المعركة في جوهرها عقائدية ثقافية، والإعلام الصادق هو أداة إيصالها إلى الضمير العالمي.
الخطبة الأولى: الإمام الحسن (ع) درأ عن الأمة فتن الطلقاء، ومهّد الأمر لعاشوراء وهي تتجلى اليوم في فلسطين ولبنان
استهلّ الشيخ الخالصي خطبته الأولى بالتوقف عند معاني ذكرى استشهاد الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)، ضمن المسيرة الممتدة من عاشوراء إلى صفر، مبيّناً أن الإمام الحسن كان نموذجاً في رأب الصدع ودرأ عن الأمة فتن الطلقاء ومهّد الأمر لعاشوراء، من خلال جهوده لتخفيف الأزمات بين المسلمين ومنع الانقسامات.
وأضاف سماحته أن الإمام الحسن وأخاه الإمام الحسين (عليهما السلام) حازا منزلة الإمامة منذ ولادتهما، بشهادة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) الذي قال: »الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، إمامان قاما أو قعدا»، مؤكداً أن من يخالفهم فهو ضال لا يمكن أن يمثّل أمة الإسلام، لأنهم سيدا شباب أهل الجنة.
وتابع قائلاً: "هذا ينطبق على أبيهم أمير المؤمنين (عليه السلام)، وعلى مسيرة الإمام الحسين (عليه السلام) وهي تتجلى اليوم في فلسطين ولبنان، حيث يواجه المؤمنون الطغيان الشيطاني ويقفون بوجه الاستكبار العالمي".
ولفت المرجع الخالصي إلى أن المعركة اليوم هي معركة إعلام أيضاً، كما كانت بعد كربلاء، حين تكفّلت السيدة زينب (عليها السلام) إلى جانب الإمام زين العابدين (عليه السلام) بإيصال صوت الحقيقة وفضح جرائم الأمويين، مبيناً أن النسب الشريف لم يكن مجرد شرف نسبي، بل رسالة إعلامية تبليغية هزّت عروش الظالمين.
وأشار إلى أنّ الجاهليين في زمن يزيد استطاعوا أن يضللوا الناس ويصوّروا الإمام الحسين وأهل بيته على أنهم "خوارج"، متسائلاً: إذا كان التضليل بلغ هذا الحد حينها، فكيف هو اليوم مع وسائل الإعلام المتطورة التي يسخرها العدو لتزييف الحقائق وقلب الوقائع؟
واختتم الخطبة الأولى بتأكيد أن الدماء والأشلاء، ولا سيما أشلاء الأطفال، كانت ولا تزال تفجّر الوعي وتكشف زيف الطغاة، كما فعلت دماء شهداء كربلاء، إذ أن الشهداء بكيفية استشهادهم ونقائهم كشفوا حقيقة الحكم الصنمي الجاهلي الذي حاول الانحراف بالأمة عن طريق الإسلام.
الخطبة الثانية: غزة تدافع عنكم وعن شرف الإنسانية... ومؤامرات خنقها لن توقف زحف المقاومة
وفي خطبته الثانية، سلط المرجع الديني الشيخ جواد الخالصي الضوء على الأبعاد المأساوية لمعركة غزة، مشيراً إلى أن الأرقام المفجعة ليست مجرد إحصائيات، بل أرواح بريئة سُفكت ظلماً وعدواناً.
وقال سماحته إن بعض الدول الأوروبية شهدت مسيرات استمرت لأكثر من 15 ساعة، وقف فيها الناس تباعاً، يقرأ كل مشارك، كل ربع ساعة أو أكثر، أسماء الأطفال الذين استشهدوا في غزة، في مشهد مؤلم يُظهر فداحة المجازر الصهيونية.
وأضاف أن عدد الشهداء تجاوز الستين ألفاً، ومع استمرار المجاعة والقصف والحصار، بات الرقم يقترب من 61 ألفاً، متسائلاً: "إلى متى؟ ومتى يتوقف هذا النزف؟ وماذا نصنع نحن؟" ليجيب مؤكداً أن المعركة لن تتوقف، لأن العدو يدرك أن توقفها هو بداية لانهياره الكامل، لا سيما لأولئك المجرمين القتلة المطلوبين حتى في المحاكم الدولية، والذين يساندهم طغاة غارقون في الفساد والرذيلة، منذ نشأتهم وحتى شيخوختهم.
وضرب سماحته مثالاً بتحرك شعبي في هولندا، حيث شارك أكثر من 150 ألف شخص في مسيرة تضامنية مع أطفال غزة، قائلاً: "أين شعوبنا من هذه المشاهد؟ لماذا لا يخرج الناس بالملايين؟"
كما ندّد بسياسات تجريم المساعدات، مشيراً إلى أن من يريد إيصال الغذاء أو الدواء أو حتى السلاح للمحاصرين، يُتهم بالإرهاب، وتُشن الحملات على منظمات وجماعات تدعم المقاومة، في حين أن من يصنع المجازر ويغلق المعابر ويمنع المساعدات، لا يُحاسب.
وأردف قائلاً: "غزة تدافع عن غزة، والضفة تدافع عن الضفة، وكلاهما يدافعان عن فلسطين. ولبنان لا يدافع فقط عن فلسطين، بل عن نفسه أيضاً، كما تدافع المقاومة في العراق واليمن والجمهورية الإسلامية عن مواقع الإسلام في الأمة كلها"، مشدداً على أن هذه الجبهات ليست متفرقة، بل هي جبهة واحدة عنوانها: الدفاع عن الإنسانية والكرامة والحق في وجه الطغيان.
وتابع قائلاً: "أطفال غزة الجوعى ونساؤها الحرائر يدافعون عن شرفكم وكرامتكم، في وقت تُباع فيه المرأة في منصات الفسق والفجور، وتُغرق الشعوب في ملذّات رخيصة يُديرها الطغاة".
وأكد أن هذه التضحيات الكريمة لا يمكن أن تذهب سدى، وأن الأمة مطالبة باليقظة والوقوف إلى جانب المقاومة، مردداً دعاءه: "اللهم انصر من نصرهم، واخذل من خذلهم، ووالِ من والاهم، وعادِ من عاداهم".
واستشهد سماحته بقول الله تعالى على لسان نبي الله موسى (عليه السلام): ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ...﴾، مؤكداً أن معركتنا اليوم هي في جوهرها معركة وجود الإنسان والكرامة.
وأشار إلى أن المتظاهرين في الدول الغربية باتوا يدركون خطر المشروع الصهيوني، وخرجوا بالآلاف لكشف وجهه القبيح، في حين تُحاصر أصواتنا في عالمنا العربي والإسلامي.
في الشأن المحلي العراقي: السلاح المقاوم خط أحمر.. وخور عبد الله خيانة وطنية
أما في الشأن المحلي، فقد شدد المرجع الخالصي على رفض الضغوط الرامية لتسليم السلاح المقاوم، معتبراً ذلك موقفاً لا يمكن أن يقبله مخلص أو عاقل، لما يشكّله هذا السلاح من ضمانة لحفظ السيادة والدفاع عن الوطن.
وتطرّق إلى قضية "خور عبد الله"، مؤكداً أنها تمثل تفريطاً بالسيادة، وهي مرفوضة وطنياً ودستورياً وأخلاقياً وقانونياً، داعياً من يصرّ عليها إلى أن يحاسب نفسه.
كما تناول كارثة حريق الكوت، مبيّناً أن الفساد المتجذر هو الذي يقف وراء تكرار مثل هذه الحوادث، حيث تتحول الكوارث إلى فرص للابتزاز باسم منظومات السلامة، في ظل غياب الجدّية والرقابة، قائلاً: "إذا دُفع لهم المال، قالوا تمت الإجراءات، وهذا هو جوهر الفساد".
وفي ختام خطبته، شدد المرجع الخالصي على أن زمن الاستكانة قد ولّى، وأن على الأمة أن ترتقي إلى مستوى الدماء الزكية التي سُفكت في كربلاء وغزة، فكل قطرة دم هي صرخة بوجه الطغيان، ودعوة إلى نهضة لا تعرف الانكسار، بل تفتح أبواب النصر بإذن الله.